فصل: الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.الخبر عن دولة بني أمية بالأندلس من هذه الطبقة المنازعين للدعوة العباسية وبداية أمرهم وأخبار ملوك الطوائف من بعدهم.

كان هذا القطر الأندلسي من العدوة الشمالية عن عدوة البحر الرومي وبالجانب الغربي منها يسمى عند العرب أندلوش وتسكنه أمم من إفرنجة المغرب أشدهم وأكثرهم الجلالقة وكان القوط قد تملكوه وغلبوا على أمره لمئين من السنين قبل الإسلام بعد حروب كانت لهم مع اللطينيين حاصروا فيها رومة ثم عقدوا معهم السلم على أن تنصرف القوط إلى الأندلس فساروا إليها وملكوها ولما أخذ الروم واللطينيون لبسلة النصرانية حملوا من وراءهم بالمغرب من أهل إفرنجة والقوط عليها فدانوا بها وكان ملوك القوط ينزلون طليطلة وكانت دار ملكهم وربما انتقلوا ما بينها وبين قرطبة وماردة وأشبيلية وأقاموا كذلك نحو أربعمائة سنة إلى أن جاء الله بالإسلام والفتح وكان ملكهم لذلك العهد يسمى لزريق وهو سمة لملوكهم كجرجير سمة ملوك صقلية ونسب القوط وخبر دولتهم قد تقدم وكانت له حظوة وراء البحر فى هذه العدوة الجنوبية حظوها من فرضة المجاز بطنجة ومن زقاق البحر إلى بلاد البرير واستعبدوهم وكان ملك البرابرة بذلك القطر الذي هو اليوم جبال غمارة يسمى بليان وكان يدين بطاعتهم وبملتهم وموسى بن نصير أمير العرب إذ ذاك عامل على أفريقية من قبل الوليد بن عبد الملك ومنزله بالقيروان وكان قد أغزى لذلك العهد عساكر المسلمين بلاد المغرب الأقصى ودوخ أقطاره وأوغل في جبال طنجة هذه حتى وصل خليج الزقاق واستزل بليان لطاعة الإسلام وخلف مولاه طارق بن زياد الليثي واليا بطنجة وكان بليان ينقم على لزريق ملك القوط لعهده بالأندلس لفعله بابنته في داره كما زعموا على عادتهم في بنات بطارقتهم فغضب لذلك وأجاز إلى لزريق فأخذ ابنته منه ثم لحق بطارق فكشف للعرب عورة القوط ودلهم على غرة فيهم أمكنت طارقا الفرصة فانتهزها لوقته وأجاز البحر سنة اثنتين وتسعين من الهجرة بإذن أميره موسى بن نصير في نحو ثلثمائة من العرب وانتهب معهم من البربر زهاء عشرة آلاف فصيرهم عسكرا ونزل بهم جبل الفتح فسمى جبل طارق به والآخر على طريف بن مالك النخعي ونزل بمكان مدينة طريف فسمي به وأداروا الأسوار على أنفسهم للتحصين وبلغ الخبر لزريق فنهض إليهم يجر أمم الأعاجم وأهل ملة النصرانية في زهاء أربعين ألفا فالتقوا بفحص شريش فهزمه إليه ونفلهم أموال أهل الكفر ورقابهم وكتب طارق إلى موسى بن نصير بالفتح وبالغنائم فحركته الغيرة وكتب إلى طارق يتوعده بأنه يتوغل بغير إذنه ويأمره أن لا يتجاوز مكانه حتى يلحق به واستخلف على القيروان ولده عبد الله وخرج معه حسين بن أبي عبد الله المهدي الفهري ونهض من القيروان سنة ثلاث وتسعين من الهجرة في عسكر ضخم من وجوه العرب والموالي وعرفاء البربر ووافى خليج الزقاق ما بين طنجة والجزيرة الضراء فأجاز إلى الأندلس وتلقاه طارق وانقاد واتبع وتمم موسى الفتح وتوغل في الأندلس إلى برشلونة في جهة الشرق وأربونة في الجوف وصنم قادس في الغرب ودوخ أقطارها وجمع غنائمها وجمع أن يأتي المشرق على القسطنطينية وبتجاوز إلى الشام ودروب الأندلس ويخوض ما بينها من بلاد الأعاجم أمم النصرانية مجاهدا فيهم مستلحما لهم إلى أن يلحق بدار الخلافة ونمي الخبر إلى الوليد فاشتد قلقه بمكان المسلمين من دار الحرب ورأى أن ما هم به موسى غرر بالمسلمين فبعث إليه بالتوبيخ والانصراف وأسر إلى سفيره أن يرجع بالمسلمين إن لم يرجع هو ويكتب له بذلك عهده ففت ذلك في عزم موسى وقفل عن الأندلس بعد أن أنزل الرابطة والحامية بثغورها واستعمل ابنه عبد العزيز لغزوها وجهاد أعدائها وأنزله بقرطبة فاتخذها دار إمارة واحتل موسى بالقيروان سنة خمس وتسعين وارتحل إلى الشرق سنة ست بعدها بما كان معه من الغنائم والذخائر والأموال على العجل والظهر يقال: كان من جملتها ثلاثون ألف فارس من السبي وولى على أفريقية ابنه عبد الله وقدم على سليمان فسخطه ونكبه وسارت عساكر الأندلس بابنه عبد العزيز بإغراء سليمان فقتلوه لسنتين من ولايته وكان خيرا فاضلا وافتتح في ولايته مدائن كثيرة وولي من بعده أيوب بن حبيب اللخمي وهو ابن أخت موسى بن نصير فتولى عليها ستة أشهر ثم تتابعت ولاة العرب على الأندلس فتارة من قبل الخليفة وتارة من قبل عامله على القيروان وأثخنوا في أمم الكفر وافتتحوا برشلونة من جهة الشرق وحصون بشتالة وبسائطها من جهة الجوف وانقرضت أمم القوط وأرز الجلالقة ومن بقي من أمم العجم إلى جبال قشتالة وأربونة وأفواه الدروب فتحصنوا بها وأجازت عساكر المسلمين ما وراء برشلونة من دروب الجزيرة حتى احتلوا بسائط وراءها وتوغلوا في بلاد الفرنجة وعصف ريح الإسلام بأم الكفر من كل جهة وربما كان بين جنود الأندلس من العرب اختلاف وتنازع أوجب للعدو بعض الكرة فرجع الفرنج ما كانوا غلبوهم عليه وكان محمد بن يزيد عامل أفريقية لسليمان بن عبد الملك لما بلغه ملك عبد العزيز بن موسى بن نصير بعث إلى الأندلس الحرب بن عبد الرحمن بن عثمان فقدم الأندلس وعزل أيوب بن حبيب وولي سنتين وثمانية أشهر ثم بعث عمر بن عبد العزيز على الأندلس السنخم بن مالك الخولاني على رأس المائة من الهجرة وأمره أن يخمس أرض الأندلس فخمسها وبنى قنطرة قرطبة واستشهد غازيا بأرض الفرنجة سنة اثنتين ومائة فقدم أهل الأندلس عليهم عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي إلى أن قدم عنبسة بن شحيم الكلبي من قبل يزيد بن مسلم عامل أفريقية وكان أولهم يحيى بن سلمة الكلبي أنفذه حنظلة بن صفوان الكلبي والي أفريقية لما استدعى منه أهل الأندلس واليا بعد مقتل عنبسة فقدمها آخر سنة سبع وأقام في ولايتها سنتين ونصفا ولم يغز ثم قدم إليها عثمان بن أبي واليا من قبل عبيدة بن عبد الرحمن السلمي صاحب أفريقية وعزله لخمسة أشهر بحذيفة بن الأحوص العتبي فوافاها سنة عشر وعزل قريبا يقال لسنة من ولايته واختلف هل تقدمه عثمان أم هو تقدم عثمان ثم ولي بعده الهيثم بن عبيد الكلابي من قبل عبيدة بن عبد الرحمن أيضا قدم في المحرم سنة إحدى عشرة وغزا أرض مقرشة فافتتحها وأقام عشرة أشهر وتوفي سنة ثلاث عشرة لسنتين من ولايته وقدم بعده محمد بن عبيد الله بن الحجاب صاحب أفريقية فدخلها سنة ثلاث عشرة وغزا إفرنجة وكانت له فيهم وقائع وأجب عسكره في رمضان سنة أربع عشرة فوق سنتين وقال الواقدي: أربع سنين وكان ظلوما جائرا في حكومته وغزا أرض البشكنس سنة خمس عشرة ومائة وأوقع بهم وغنم ثم عزل في رمضان سنة ست عشرة وولي عتبة بن الحاج السلولي من قبل عبيد الله بن الحجاب فقدم سنة سبع عشرة وأقام خمس سنين محمود السيرة مجاهدا مظفرا حتى بلغ سكنى المسلمين أرمونة وصار مساكنهم على نهر ودونة ثم قام عليه عبد الملك بن قطن الفهري سنة إحدى وعشرين فخلعه وقتله ويقال أخرجه من الأندلس وولى مكانه إلى أن دخل بلخ بن بشر بأهل الشام سنة أربع وعشرين كما مر فغلب عليه وولي الأندلس سنة أو نحوها وقال الرازي: ثار أهل الأندلس بعقبة بن الحجاج أميرهم في صفر من سنة ثلاث وعشرين في خلافة هشام بن عبد الملك وولوا عليهم عبد الملك بن قطن ولايته الثانية فكانت ولاية عقبة ستة أعوام وأربعة أشهر وتوفي بسرقوسة في صفر سنة ثلاث وعشرين واستقام الأمر لعبد الملك ثم دخل بلخ بن بشر من أهل الشام ناجيا من وقعة كلثوم بن عياض مع البربر فثار على عبد الملك وقتله وانحاز الفهريون إلى جانب فامتنعوا عليه وكاشفوه واجتمع عليهم من نكر فعلته بابن قطن وقام بأمرهم قطن وأمية ابنا عبد الملك بن قطن والتقوا فكانت الدبرة على الفهريين وهلك بلخ من الجراح التي أصابته في حربهم وذلك سنة أربع وعشرين لسنة أو نحوها من إمارته ثم ولي ثعلبة بن سلامة الجذامي غلب على إمارة الأندلس بعد مهلك بلخ وانحاز عنه الفهريون فلم يطيعوه وولي سنين أظهر فيها العدل ودانت له الأندلس عشرة أشهر إلى أن ثار به العصبة اليمانية فعسر أمره وهاجت الفتنة وقدم أبو الخطار حسام بن ضرار الكلبي من قبل حنظلة بن صفوان عامل أفريقية وركب إليها البحر من تونس سنة خمس وعشرين فدانت له أهل الأندلس وأقبل إليه ثعلبة وابن أبي سعد وابنا عبد الملك فلقيهم وأحسن إليهم واستقام أمره وكان شجاعا كريما ذا رأي وحزم وكثر أهل الشام عنده ولم تحملهم قرطبة ففرقهم في البلاد وأنزل أهل دمشق البيرة لشبهها بها وسماها دمشق وأنزل أهل حمص أشبيلية وسماها حمص لشبهها بها وأهل قنسرين حسان وسماها قنسرين وأهل الأردن ريه وهي مالقة وسماها الأردن وأهل فلسطين شدونة وهي شريش وسماها فلسطين وأهل مصر تدمير وسماها مصر وقفل ثعلبة إلى الشرق ولحق بمروان بن محمد وحضر حروبه وكان أبو الخطاب أعرابيا عصبيا أفرط عند ولايته في التعصب لقومه من اليمانية وتحامل على المصرية وأسخط قيسا وأمر في بعض الأيام بالضميل بن حاكم كبير القيسية وكان من طوالع بلخ وهو الضميل بن حاكم بن شمر بن ذي الجوشن ورأس على الحصرية فأمر به يوما فأقيم من مجلسه وتقنع فقال له بعض الحجاب وهو خارج من القصر: أقم عمامتك يا أبا الجوشن فقال: إن كان لي قوم فسيقيمونها فسار الضميل بن حاكم زعيمهم يومئذ وألب عليه قومه واستعان بالمنحرفين عنه من اليمنية فخلع أبا الخطاب سنة ثمان وعشرين لأربع سنين وتسعة أشهر من ولايته وقدم مكانه ثوابة بن سلامة الجذامي وهاجت الحرب المشهورة وخاطبوا بذلك عبد الرحمن بن حبيب صاحب أفريقية فكتب إلى ثوابة بعهده على الأندلس منسلخ رجب سنة تسع وعشرين فضبط الأندلس وقام بأمره الضميل واجتمع عليه الفريقان وهلك لسنتين من ولايته ووقع الخلاف بأفريقية وتلاشت أمور بني أمية بالمشرق وشغلوا عن قاصية المغرب بكثرة الخوارج وعظم أمر المسودة فبقي أهل الأندلس فوض ونصبوا للأحكام خاصة عبد الرحمن بن كثير ثم اتفق جند الأندلس على اقتسام الإمارة بين المضرية واليمنية وادالتها بين الجندين سنة لكل دولة وقدم المضرية على أنفسهم يوسف بن عبد الرحمن الفهري سنة تسع وعشرين واستقر سنة ولايته بقرطبة دار الإمارة ثم وافقتهم اليمنية لميعاد ادالتهم واثقين بمكان عهدهم وتراضيهم واتفاقهم فبيتهم يوسف بمكان نزلهم من شقندة من قرى قرطبة من الضميل بن حاتم والقيسية والمضرية فاستلحموهم واستبد يوسف بما وراء البحرين عدوة الأندلس وغلب اليمنية على أمرهم فاستكانوا للغلبة وتربصوا بالدوائر إلى أن جاء عبد الرحمن الداخل فكان يوسف بن عبد الرحمن قد ولى الضميل بن حاتم سرقسطه فلما ظهر أمر المسودة بالمشرق ثار الحباب بن رواحة الزهري بالأندلس داعيا لهم وحاصر الضميل بسرقسطة واستمد يوسف فلم يمده رجاء هلاكه بما كان يغص به وأمدته القيسية فأخرج عنه الحباب وفارق الضميل سرقسطة فملكها الحباب وولى يوسف الضميل على طليطلة إلى أن كان من أمر عبد الرحمن الداخل ما نذكره.